12.14قصة حياة الفنان حمد الطيار
تقرير – محمد القرناس
يعتبر حمد بن ناصر الطيار”رحمه الله”واحداً من رواد الأغنية الشعبية في الخليج العربي، تاريخه الممتد لسنوات من الهواية مروراً بالعزف على آلتي (العود والكمان) قبل ان يكون مطرباً لأول مرة عبر”إذاعة الرياض” وصولاً لإعتزال الفن قبل عامين، سنوات حملت معها العديد من التنوع الغنائي من مختلف الألوان في الجزيرة العربية، حملت بين طياتها الكثير من الألحان الخالدة كونه برع في التلحين وكان من أهمً مطوري الأغنية الشعبية ومن أكثر المهتمين بحفظ الموروث في الخليج العربي.
مولد ونشأة الطيار:
بالعام “1947 م” ولد حمد الطيار في مدينة الطائف قبل أن ينتقل مع أسرته إلى مدينة الخرج التي ترعرع بها وانطلقت موهبته منها واستقر فيها بقية حياته.
في بداية الستينات الميلادية بدأ تولع الشاب حمد الطيار بالموسيقى، حيث كان يحلم أن يمتلك عوداً ينطق بما يسكنه من أنغام ويفجر طاقته الكامنة بالنفس، إلا أن العادات والتقاليد وعدم توفر الأعواد في ذلك الحين كان يحول بينه وبين تحقيق الحلم، فكان يكتفي بترديد أشهر أغاني السامري في نجد تارة، ويقصد ( مشتل الخرج ) للاستماع للفرق التي كانت تغني هناك في عطلة نهاية كل أسبوع تارة أخرى.
لكن الرغبة الجامحة في دواخل هذا الصغير كانت أقوى من المستحيل، فمن النجارة البدائية صنع عوده بنفسه، إذ لم يكن عوداً بالمعنى الحقيقي، كان عوداً بدائياً من أربعة أوتار فقط يدوزنها كيفما شاء وبإمكانات موسيقية بسيطة تعلمها من خلال السمّع.
من العود إلى الكمان:
لم يهدأ للطيار بال قبل أن يمتلك (عوداً حقيقياً) أخذ جل وقته واهتمامه، يقضي ليله مردداً ما حفظه مِن مَن سبقوه كالموسيقار طارق عبدالحكيم وطلال مداح والفنان عبدالله محمد وغيرهم من أوائل الفنانين في المملكة
حتى أجاد العزف على آلة العود بإتقان، ولم يكتف الطيار بهذا القدر فشغفه لمعرفة أسرار الموسيقى والإبحار في عالمها قادة للعزف على (الكمان) وهو الأمر الذي لم يكن بالصعوبة كونه أتقن العزف على العود.
*الطيار نهاية السبعينات الميلادية.
عازف في فرقة إذاعة الرياض:
ما أن أعلنت إذاعة الرياض عن رغبتها تكوين فرقة موسيقية للهواة يقودها عازف الناي الشهير عبدالسلام سفر حتى حضر الطيار لمقر الإذاعة يحمل (كمنجته) محملاً بالكثير من الأماني والأحلام التي يسعى لتحقيقها، فظل يتنقل من الخرج للرياض بشكل يومي عبر سيارات الخضر(بريال) للعمل في فرقة الإذاعة مع رفيق الدرب مبارك الحريري الذي كان عازفاً للكمان هو الآخر.
يقول الطيار عن هذه المرحلة: “استمددت الكثير من ثقافتي الموسيقية من عازف الناي عبدالسلام سفر الذي اعتبره واحداً من أشهر العازفين في الوطن العربي، وكانت فترة عملي كعازف في فرقة الإذاعة مرحلة انتقالية من السماع فقط إلى معرفة المقامات الموسيقية الرئيسية وفروعها وهي المرحلة الحقيقية لصقل الموهبة “.
العود والغناء لأول مرة:
عبر إذاعة الرياض نفسها في برنامج (من البادية) أذعيت أولى الأغاني الخاصة بالطيار من الحانه ( قلبي أنا مهموم ) وكلمات عيسى خلف الجوفي، الأغنية التي كانت حديث أهالي الخرج بعد بثها حيث خلقت حالة من السعادة الغامرة في نفوسهم وهم يستمعون لصوت ابنهم يملأ الأثير لأول مرة.
النجاح الذي حققته ( قلبي أنا مهموم ) وردود الفعل الإيجابية شجعته للإستمرار، الأمر الذي تطلب منه التريث وترتيب الأوراق فبدأ بجمع أغاني التراث الشعبي لكبار الشعراء في نجد أمثال بن لعبون وسليمان بن شريم وسليمان بن حاذور وغيرهم وبدأ كمطرب شعبي يردد الكثير من هذه الأغاني بألحانها الشعبية (يا حمام على الغابة ينوحي، سرى البارق، حي الله اللي يغيب، عديت رجم وأشوف الليل ممسيني) وغيرها قبل أن ينتقل لمرحلة التلحين المستقل بشتى أنواع الموسيقى.
يقول الطيار عن تناوله للأغنية الشعبية المتداولة في بداية مشواره الفني:” أن دور المطرب تجسيد الحالات التي يعيشها الناس، والأغنية الشعبية أقرب ما تكون لتحقيق هذه المعادلة وهي الأقرب لملامسة قلوب الناس بما تحمله من بساطة “.
*اسطوانة هجرتني يا حبيبي إنتاج الأسود فون عام1969م
الأسطوانة الأولى:
في العام( 1969 م) وقبل ظهور الكاسيت بدأت مرحلة التوزيع بتسجيل أول أسطوانة لدى (الأسود فون) حملت أغنيتين هما (هجرتني يا حبيبي) من كلمات محمد الجهيم والأخرى ( مزاجي من هوى الغالي) من كلمات سليمان العويس وكلا الأغنيتين من الحانه، وطبع من الأسطوانة مائتي نسخة في اليونان وزعت بأكملها، إلا أن الوضع مابين صدور الكاسيت والاسطوانات حال دون طباعة المزيد من النسخ، كما أن الطيار نفسه تفرغ بعد هذه المرحلة للعزف فقط ولم يولي طباعة الأسطوانات ذلك الاهتمام، الأمر الذي جعل من هذه الأسطوانة الأولى والأخيرة.
من الخرج ( للطايف ) شريط للذكرى:
مع إلحاح احد اصدقائه بتسجيل شريط خاص للذكريات بدأ الطيار في التفكير بتقديم أغنية لصديقه الذي سافر في دورة عسكرية للطائف فأستذكر أغنية قديمة مطلعها “ألا يا هل الطايف متى حزة الترحيب” وبدأ بتغيير الكلمات لتتوافق مع عتب صديقه فكتب الطيار:”ألا يا هل الطايف متى ينتهي المشوار.. تجو عندنا في روضة العز للديرة”
أكمل الطيار القصيدة وسجل الأغنية وأرسلها لصديقة الذي أسعدته كثيراً، ولم يكن الطيار يعلم أن هذه الأغنية بما حملته من بساطة في الكلمات ستكون بوابة الشهرة الحقيقية لأسمه وعلامة بارزة خلال مشواره الفني، ومن الطرائف التي واكبت تسجيل الأغنية إصرار الكورال على ترديد ” تجو عندنا في مشتل الخرج للديرة ” بدلاً من روضة العز، فراح الطيار يردد هذا الشطر كما كتبه وكما ردده الكورال من خلفه.
يقول الطيار عن نجاحها: “بالرغم من بساطة كلمات الأغنية إلا أنها أخذت شهرة كبيرة، وبالرغم من نجاح العديد من أعمالي ألا أن الحضور في جميع المناسبات التي أقمتها يردد( الطايف) فكانت بوابة التعريف باسمي في معظم المدن”
محمد العثيم العلامة الأبرز:
القدر وحده هو من جمع العثيم بالطيار، في العام” 1973 م” عن طريق أحد الأصدقاء تعرف الطيار بالمؤلف المسرحي والشاعر محمد العثيم الذي كان مذيعاً بتلفزيون الرياض آنذاك وشكلا ثنائي كانت مخرجاته الكثير من الأعمال الخالدة في تاريخ الأغنية السعودية، وأحدث هذا اللقاء نقلة نوعية في أعمال الطيار لما تتميز به من نصوص وتفرد ك(عطاشا، الشمس نوره سطع، مرحوم، مجبور يالغالي، صاحبي جاني، لمحت البرق، عز للي بقلبه، قل للغضي )، (1399 ه ) شارك الطيار في حفل للنادي العربي بعنيزة وقدم خلاله أغنيته الشهيرة( يا سلام ويا سلام الله ). فمنذ انتهاء الحفل مباشرة نقل كثير من الحضور شريط الحفل لمدن المملكة، الأمر الذي فاجأ الطيار نفسه حين عاد للخرج بعد الحفل ووجد أبنائها يرددون الأغنية
ظرف اجتماعي(مع الطيار):
في رحلة علاج خارج المملكة ضاقت الأحوال ب(الغريبة) موضى الصريخ “رحمها الله” ومع حنينها وشوقها لأرض الوطن كتبت معاتبة ابنها تطلب سرعة العودة للوطن: “يا ليت منهو مع الطيار..متوجهٍ للسعودية” لينقل ابنها( سليمان الكعيد ) للطيار ما كتبته والدته، ويترجمها الأخير بإحساس ليُخرج لنا واحداً من أجمل الأعمال التي قدمها خلال مسيرته الفنية.
رحلات متوالية بحثاً عن الفن:
محطات فنية كثيرة في مشوار حمد الطيار الفني من أبرزها(الكويت) التي تأثر كثيراً في بداياته الفنية بالجيل الأول من فنانيها أمثال: سعود الراشد وعبدالله الفضاله ومحمود الكويتي وغريد الشاطئ ومصطفى أحمد وعبدالحميد السيد الذي يقول عنه الطيار أنه أكثر الفنانين الذين تأثر فيهم، فسافر للكويت وجالس الكثير منهم في ديوانيات الفن وعاش معهم أجواء سهراتهم الفنية، وسبب هذا التأثر هو اهتمام الكويت وفنانيها بالفن الشعبي الذي عشقه الطيار منذ بداياته.
أما (بيروت) فقد كان الطيار يتحمل مشقة وعناء السفر فوق سيارات المرسيدس التي كانت تنقل الفاكهة من لبنان إلى السعودية فكان يرافقها في طريق عودتها إلى بيروت متحملاً حرارة الشمس وطول الطريق في القفار من أجل مشاهدة سالم الحويل وعبدالله محمد وأبوبكر سالم وطلال مداح وهم يغنون في مسارح بيروت، وللاستمتاع بأصالة الطرب العربي مع وديع الصافي.